newsare.net
محمد وهبة - إذا استمرّت أسعار النفط على مستوياتها المسجّلة أمس، فإنه في نهاية الأسبوع المقبل ستتآكل كل ضريبة «تجميد سعر البنزين والمازوت» ولنضريبة البنزين... طارت؟!
محمد وهبة - إذا استمرّت أسعار النفط على مستوياتها المسجّلة أمس، فإنه في نهاية الأسبوع المقبل ستتآكل كل ضريبة «تجميد سعر البنزين والمازوت» ولن يدخل إلى الخزينة أي قرش منها رغم أنّ أسعار مبيع البنزين والمازوت قد تزيد على المستهلك. فبحلول هذا الوقت، سترتفع أسعار البنزين والمازوت بنسبة 14% و26% مقارنة مع ما ستكون عليه الأسعار قبل هذه الضريبة. وهذا ما سيفرض على مجلس الوزراء، البحث عن مصادر إيرادات جديدة، أو بمعنى أكثر وضوحاً عن ضريبة جديدة، لأنه يحتاج إلى تمويل إضافي بقيمة 350 مليون دولار لتغطية كلفة المِنح المالية للعسكريين، وهذا أمر لا يمكن تطبيقه إلا في إطار وصفة صندوق النقد الدولي القاضية بأنّ كل إنفاق إضافي يجب أن يقترن بإيرادات جديدة. يُتوقّع أن تُصدر اليوم وزارة الطاقة، جدول تركيب أسعار المحروقات الذي يتضمّن زيادة في سعر البنزين والمازوت بقيمة مقدّرة بنحو 8 دولارات على كل طن من هاتين المادتين. وبالتالي ستنعكس هذه الزيادة، ارتفاعاً في سعر مبيع الصفيحة للمستهلك بنحو 11 ألف ليرة لكلّ منهما (حسابات السعر قد تختلف بهامش ضيّق ارتفاعاً أو انخفاضاً). وبحسب العرض الذي قدّمه وزير الطاقة جو الصدّي أمام مجلس الوزراء أمس، فإنّ ضريبة «تجميد سعرَي البنزين والمازوت» ستتآكل بفعل ارتفاع أسعار النفط العالمية، وستصبح إيرادت هذه الضريبة صفراً في نهاية الأسبوع المقبل عندما تبلغ الأسعار المحلّية مداها الأقصى ربطاً بالارتفاع العالمي. طبعاً كل ارتفاع في السعر العالمي ينعكس ارتفاعاً في السعر المحلّي، إنما في ظل قرار «تجميد السعر» فإنّ العائدات لن تزيد عن الصفر إلا إذا انخفض السعر عن المستوى المحدّد في قرار مجلس الوزراء المتّخذ في29 أيار الماضي والقاضي بأن يتمّ تجميد الأسعار على أساس ما بلغته في 8 شباط 2025، أي ما كانت قيمته آنذاك 1.489 مليون ليرة لكل صفيحة بنزين من عيار 95 أوكتان، و1.393 مليون ليرة لكل صفيحة مازوت. وفي وقت اتخاذ هذا القرار، كانت الخزينة ستحصّل 1.11 دولارا عن كل صفيحة بنزين، و1.94 دولاراً عن كل صفيحة مازوت. يومها، اتّخذ المجلس قراراه، بناءً على اقتراح من وزير المال ياسين جابر، ووافقه في ذلك جميع الوزراء، ولو أنّ بعضهم ناقشه في الأمر، إلا أنه لم يتحفّظ أي منهم على القرار. وقد جاء في اقتراح جابر في إطار «إعطاء العسكريين منحة مالية شهرية بقيمة 14 مليون ليرة لكل واحد في الخدمة الفعلية، وبقيمة 12 مليون ليرة لكل متقاعد». حين أقرّت هذه الضريبة تحت ستار «المنح المالية للعسكريين»، لم يكن في الحسبان أنّ أسعار النفط سترتفع، بل كانت التوقّعات تشير إلى استقرار أو انخفاض فيها. لكن ما حصل لاحقاً خرّب هذه التوقّعات. فقد تصاعدت المخاوف الناتجة من اندلاع حرب بين العدو الصهيوني وإيران، إلى أن وقعت فعلاً مع الاعتداءات الصهيونية صباح الجمعة الماضي، ما ضغط على سعر برميل النفط ليرتفع بنسبة 12% في يوم واحد، علماً بأنّ سعر البرميل كان يبلغ 60 دولار في مطلع حزيران وقفز في تداولات أمس إلى ما بين 73 دولاراً و75 دولاراً، علماً بأنه تأرجح عند هذا المستوى مع هامش بسيط في الارتفاع والانخفاض، ربطاً بالتطورات التي لم تصل بعد إلى تهديدات استراتيجية مرتبطة بآبار النفط ومواقع الإنتاج أو بطرق التصدير. لهذا السبب، ناقش مجلس الوزراء في جلسته أمس، مصادر التمويل البديل. فالمجلس يسير وفق إملاءات صندوق النقد من دون أي نقاش، ومن هذه الإملاءات أنه لا يجب زيادة أي إنفاق على الخزينة العامة من دون إيجاد مصدر تمويل، وهو في هذا الإطار أقرّ ضريبة البنزين والمازوت عبر تجميد السعر على مستوى أعلى ممّا كان يفترض أن يكون عليه. لذا، فإنه كان من الضروي البحث عن مصدر تمويل جديد. النقاش أخذ حيّزاً ضيّقاً، لا سيّما أنّ الجميع متّفق على أنّ هذه الزيادة ضرورية لتمويل المنح المالية للعسكريين فاستعيد جزء من نقاش سابق أجراه وزير الصناعة جو عيسى الخوري عن إمكانية تعزيز الجباية من الجمارك ومكافحة التهرّب الضريبي، ولم يفضِ النقاش إلى اتخاذ أي قرار علماً بأنّ عيسى الخوري اقترح إلغاء قرار التجميد ربطاً بانعدام قيمته بعد ارتفاع الأسعار العالمية، لكن اتُّفق على أن يعود وزير الطاقة جو الصدّي إلى مجلس الوزراء الأسبوع المقبل ومعه دراسة أكثر تفصيلاً لما ستكون عليه الأسعار والإيرادات المتوقّعة للخزينة، وعلى ضوئها يُتّخذ القرار. بدا للحظة أنّ بعض الوزراء ليسوا جاهزين لهذا النقاش، وأنهم يريديون شراء الوقت عبر الطلب من الوزير إجراء دراسة معروفة النتائج سلفاً. فالأسعار لن تسجّل تغيّرات دراماتيكية في المدى المنظور رغم أنّ الأمر مرتبط بشكل واضح بتطورات الصراع الدائر بين العدو الصهيوني وإيران. كلما كانت التطوّرات أكثر حدّة، كلما سجّلت الأسعار تغيرات حادّة أكثر، لكن ما يرشّح حتى الآن من هذا الأمر، وهو أنّ المرحلة الحالية من هذا الصراع لا تتضمّن التهديد بضرب مواقع إنتاج النفط والغاز، وبالتالي لا توجد توقّعات بأنّ الأسعار ستسجّل المزيد من الارتفاع حالياً. إذاً، الأمر المهم هو أنّ الأسعار سترتفع ربطاً بارتفاع الأسعار العالمية. فالأسعار المحلّية تُحتسب على أساس متوسط آخر أربعة أسابيع للأسعار العالمية. كما أنّ الحكومة لم تعد لديها إيرادات لتمويل المنح للعسكريين، ما سيدفعها إلى البحث عن ضريبة جديدة للتمويل. هذا الأمر لو حصل فإنه يرتّب على المستهلك أعباء إضافية، إذ سيترتّب على مستهلكي البنزين والمازوت أو مستهلكي الكهرباء المنتجة بواسطة مولّدات الأحياء، أو مستهلكي السلع التي يتأثّر سعرها بهاتين المادّتين، أن يدفعوا فواتير إضافية لتغطية هذا الارتفاع، وأن يموّلوا الضريبة الجديدة التي تبحث عن هذه الحكومة من دون أي نقاش في السياسات الضريبية، وفي مدى تحمّل الاقتصاد. كل ما تقوم به هذه الحكومة هو أنها تنفّذ سياسات «سنيورية» الطابع مبنيّة على قواعد محاسبية قائمة على أنه لا إنفاق بلا تمويل. في المحاسبة لا يمكن أن تكون النفقات أقلّ أو أكثر من الإيرادات، لذا يُستعاض عن الفروقات التي لا يمكن تغطيتها بزيادة الإيرادات عبر الضرائب، بإدراج بند «الدَّين» في الإيرادات، أو بإدراج بند «إيرادات استثنائية» أو غيره. أمّا كيف نستدين أو كيف يتعامل الاقتصاد مع فكرة الدَّين وخدمته، أو مع أي ضريبة أخرى، فهي أمور لا يهتمّ بها المحاسبون. والآن، حكومة نواف سلام، هي حكومة محاسبين يحصرون اهتماماتهم بإرضاء صندوق النقد وإهمال الاقتصاد والمجتمع. Read more