newsare.net
الأخبار: قبل فترة، عُقد لقاء بين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ونواب من حزب الله، على هامش إحدى جلسات لجنة المال والموازنة، وأبلغهم سعيد أنه بصددسعيد يقدّم فروض الإذعان: «القرض الحسن» ممنوع
الأخبار: قبل فترة، عُقد لقاء بين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ونواب من حزب الله، على هامش إحدى جلسات لجنة المال والموازنة، وأبلغهم سعيد أنه بصدد اتخاذ إجراءات تجاه جمعية القرض الحسن مطلوبة منه أميركياً. قبل فترة، عُقد لقاء بين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ونواب من حزب الله، على هامش إحدى جلسات لجنة المال والموازنة، وأبلغهم سعيد أنه بصدد اتخاذ إجراءات تجاه جمعية القرض الحسن مطلوبة منه أميركياً. لكن يبدو أن سعيد تأنّى كثيراً في هذه الخطوة التي أخذت وقتاً بينما تبدو أقرب لتكون إجراءات شكلية وتذكيرية أكثر منها إجراءات ذات مفاعيل عملية. فالمؤسّسات المالية في لبنان لم تتأخر يوماً عن تجميد أي حساب فرضت عليه الإدارة الأميركية العقوبات، بل كانت في بعض الأحيان تتوسّع في تفسير وتطبيق الإملاءات الأميركية. بهذا المعنى، يأتي تعميم مصرف لبنان كأنه لزوم إعلان الإذعان، إذ إن مصرف لبنان لم يكن يسمّي الجهات التي يمنع التعامل معها خلافاً لما ورد في التعميم الأخير. حماية أم فروض طاعة؟ كان بإمكان الحاكم كريم سعيد، اكتمال عقد المجلس المركزي لمصرف لبنان والذي يتطلب حلف اليمين المفروض على نواب الحاكم المُعيّنين حديثاً، لعرض مشروع التعميم المتعلّق بمنع التعامل مع القرض الحسن وسواها من الجمعيات والمؤسسات، لكنه عمد إلى إصداره بشكل منفرد أول أمس. وفي بناءات التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 170 والموجّه إلى «المصارف والمؤسسات المالية وسائر المؤسسات الخاضعة لرقابة مصرف لبنان ولشركات الوساطة المالية ولصناديق الاستثمار الجماعية»، أن موجبات إصدار هذا التعميم تتعلّق بالعلاقة بين المصارف والمؤسسات المالية في لبنان وبين مصارف المراسلة، كما أنها ترتبط بإدراج لبنان من قبل مجموعة العمل المالي (FATF)، على القائمة الرمادية والخطة المطلوبة منه لمعالجة هذا الوضع، فضلاً عن «التعامل مع جهات غير مرخّصة وخاضعة لعقوبات دولية»، وتداركاً لاحتمال فرض «إجراءات مشدّدة إضافية قد تُتخذ بحقّ القطاعين المالي والاقتصادي في لبنان والخارج»، ثم بناءً على الصلاحيات التي تعود للحاكم «بغية تأمين عمل مصرف لبنان استناداً إلى مبدأ استمرارية المرفق العام». هذه الموجبات مختصرة عن صفحة كاملة من المبرّرات التي قدّمها التعميم قبل مادته الأولى القاضية بأنه: «يحظّر على المصارف والمؤسسات المالية وسائر المؤسسات الخاضعة لترخيص من مصرف لنان وعلى مؤسسات الوساطة المالية وهيئات الاستثمار الجماعي، أن تقوم بأي تعامل (مالي، تجاري، أو غيره...) بشكل مباشر أو غير مباشر، كلياً أو جزئياً، مع مؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات والهيئات غير المرخّصة كـ«جمعية القرض الحسن»، و«شركة تسهيلات ش.م.م»، و«شركة اليسر للتمويل والاستثمار»، و«بيت المال للمسلمين»، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكيانات والجمعيات المُدرجة على لوائح العقوبات الدولية، ولا سيما لجهة: - تقديم أو تسهيل خدمات مالية أو نقدية أو تحويلات أو خدمات وساطة. - إنشاء أو تنفيذ ترتيبات تمويل أو إيجار أو إقراض. - تسهيل الوصول المباشر أو غير المباشر إلى النظام المصرفي اللبناني، بأيّ عملة كانت، من قبل الجمعيات أو الهيئات أو الشركات المذكورة أعلاه وغيرها أو من قبل أيّ من فروعها. وفي المادة الثانية من التعميم، فإن كلّ من يخالف القرار يعرّض نفسه لتعليق أو سحب الترخيص أو تجميد الحسابات والأصول والإحالة على هيئة التحقيق الخاصة. تعميم شكلي إذاً، ما هي مفاعيل التعميم 170؟ في الواقع، لا تبدو أن هناك مفاعيل فورية وحاسمة. فباستثناء أنه موجّه للتهويل والتخويف، فإنه من الواضح أن المؤسسات التي تُفرض عليها عقوبات لا يعود ممكناً التعامل معها من أي من المصارف أو المؤسسات المالية أو من الصرّافين أو أي جهة تقوم بأعمال مالية من نوع التحويل أو التمويل في الداخل والخارج. لماذا استعجل سعيد إصدار التعميم منفرداً قبل اكتمال عقد المجلس المركزي ومناقشته هناك؟ فهذه المؤسسات تطبّق ما يُسمّى «قواعد الامتثال» وهي مراقبة بشكل دقيق من مصارف المراسلة، أي المصارف الأجنبية التي تودِع لديها أموالاً أو تنفّذ معها عمليات تحويل وتمويل وسواها. تلقائياً، كل من يُصنّف على لوائح العقوبات الأميركية تُجمّد حساباته وأصوله... وهذا الأمر يثير التساؤل، ولا سيما أن القرار الذي أصدره الحاكم سعيد بدا كأنه محاولة لحماية المصارف والمؤسسات المالية الأخرى من إجراءات أميركية، كما أنه سمّى الجهات المُستهدفة بشكل مباشر، وهو أمر لم يعتد أن يقوم به، إذ إن مصرف لبنان معنيّ بصياغة قواعد عامة لعمل المصارف بوصفه الهيئة الناظمة لهذا القطاع، وليس من مسؤولياته التركيز علناً على جهة ما. قد يقوم بالأمر من ضمن العمل الإداري الضمني، لكنّ التعاميم لا يمكن أن تصاغ بهذا الشكل. وربما لهذا السبب استعجل سعيد إصدار التعميم قبل اكتمال عقد المجلس المركزي (يحتاج إلى ما بين أسبوع وعشرة أيام) الذي يفترض به أن يناقش هذا التعميم قبل إصداره. صفر إنجاز يقول متحدّث مأذون له في جمعية القرض الحسن لـ«الأخبار»، إن التعميم ليس له أي أثر على عمل الجمعية لأن لا علاقة للجمعية بأيّ من المؤسسات المالية والمصارف وهيئات الاستثمار الجماعي وغيرها من الشركات التي تعمل تحت الترخيص من مصرف لبنان. وكان لافتاً أنه لم يحدّد الشكل القانوني للجهات التي يحظر التعامل معها، بل خصّص سلّة فيها كل الأشكال القانونية التي يمنع التعامل معها مثل الجمعيات ومؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والهيئات... وهذا أمر فيه الكثير من النقاش بشأن إذا ما كان مصرف لبنان يرى أن جمعية القرض الحسن تقوم بأعمال تحتاج إلى ترخيص من مصرف لبنان، أو أن لديها هيكلاً قانونياً للعمل التمويلي خارج نطاق مصرف لبنان. فبحسب المعطيات المتداولة لم يصل النقاش في هذا الأمر إلى خلاصة واضحة، بل اصطدم بحقيقة أن الكثير من الجمعيات أو حتى المؤسسات التي ينطبق عليها العمل التمويلي المجهري، قد تحتاج إلى ترخيص من إدارات أخرى غير مصرف لبنان مثل وزارة الداخلية ووزارة الزراعة. وهذا النوع من العمل التمويلي الذي يقوم به مصرف لبنان لا ينحصر بجهة طائفية واحدة في لبنان مثل «حزب الله»، بل يشمل جهات أخرى سنّية ومسيحية وربما لها أبعاد تنموية غير مرتبطة بالطائفة حصراً. فلنأخذ مثلاً التعاونية اللبنانية للتنمية التي تأسّست في عام 1992 بمبادرة من الأب بواكيم مبارك وبعض شخصيات المجتمع المدني بهدف منح قروض صغيرة من أجل تمويل مشاريع إنمائية خاصة في المناطق الحدودية. تتبع هذه الجمعية لمديرية التعاونيات في وزارة الزراعة مع أن لديها هيكلاً تمويلياً واضحاً. أيضاً مؤسسة مخزومي مثلاً لديها ترخيص من وزارة الداخلية وبإمكانها تقديم خدمات مالية مثل التي يقدّمها القرض الحسن. نشاط تنموي لا تجاريعلى أي حال لا يمكن اعتبار القرض الحسن، ولا سائر الجمعيات التي شملها التعميم 170، أنها مؤسسات مالية، إذ إن نشاطها الأساسي ليس تجارياً، بل هو تنموي، وهي تمارس نوعاً من أنواع النشاط التجاري الذي يخدم برامجها التنموية. كما أن فكرة الإيداع والاقتراض من القرض الحسن لا تشبه بتاتاً الإيداع والاقتراض لدى المصارف لا من حيث الشكل والأهداف وطبيعة العمل. فالإيداع لدى المصارف ليس هدفه فقط ادّخار الأموال، بل إن الجزء الأهم من وجود المصرف هو استقطاب المودع لأنه بموجب قانون النقد والتسليف يتملّك الوديعة ويتاح له إقراضها في السوق. وبهذه العملية هو يخلق النقد. أما جمعية القرض الحسن، فلا تتملك الوديعة، بل هي ادّخار بحت غير منتج لأيّ نوع من الفوائد، ولا يمكن إقراضها، بل يمكن استعمالها كضمانة للإقراض. تكون الوديعة ضمانة بكاملها مقابل القرض ولا يتحرّر منها إلا بمقدار ما يردّ المقترض، وتكون مسؤولية الإقراض على عاتق المودع الذي يوافق على تقديم وديعته كضمانة لإقراض ما. والأمر لا يختلف كثيراً مع القروض التي تقدّمها الجمعية مقابل رهن الذهب، إذ يتم تخمين قيمة الذهب، ويحقّ للمقترض الحصول على حدّ أقصى نسبته 70% من قيمة الذهب المرهون. يكون الذهب ضمانة القرض والـ30% لحماية الرهن من تقلّبات السعر. أما المال المُستعمل فهو من سيولة القرض الحسن. كما أنه ليس قرضاً منتجاً للفوائد، بل يكاد يكون مجانياً بالكامل باستثناء كلفة خزن الذهب والإدارة. قناة لإعادة الإعمارلا يمكن تجاهل مسألة أساسية، وهي أن «القرض الحسن» هي القناة الأساسية التي تتم عبرها تغطية كل العمليات المالية المرتبطة بإعادة الإعمار. فحتى الآن، سدّد حزب الله ما يصل إلى مليار دولار لتغطية الترميم والإيواء التي شملت أكثر من 250 ألف أسرة، وكل هذه المبالغ سُدّدت من خلال «القرض الحسن» التي أدارت التدفقات المرتبطة بهذه العملية بشكل احترافي على مدى الأشهر الماضية. صحيح أنه جرى تأجيل بعض الدفعات من أجل عمليات التدقيق، إلا أنه في الأشهر الأولى على نهاية العدوان، كانت نسبة كبيرة من الكشوفات قد سُدّدت للمستفيدين. حزب الله لم يُفاجأ: سعيد أخبرنا مُسبقاً لم يُفاجأ حزب الله بقرار مصرف لبنان وقف التعاملات مع جمعية القرض الحسن. ذلك أن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، وخلال لقاءات عقدها مع مسؤولين في الحزب مهّد للأمر. وقد برّر خطوته مُسبقاً بأنّه لا يمكن للنظام المصرفي اللبناني مخالفة القرارات الأميركية. لكنّ مصادر سياسية أكدت أن القرار كانَ قائماً، ومعمولاً به أصلاً، وكل ما حصل هو إصدار تعميم رسمي به. وشدّدت المصادر على أن جمعية القرض الحسن «لن تتأثّر بهذا التعميم، كما لن تتأثّر مصالح الناس التي تتعامل معها». من جهته، وكمن كان ينتظر خبراً مُفرِحاً، سارع الموفد الأميركيّ توم برّاك إلى الإشادة بقرار مصرف لبنان، واعتبره «خطوة في الاتّجاه الصحيح اتّخذتها الحكومة اللبنانيّة لضبط تدفّق الأموال التي كانت تمرّ عبر جمعية القرض الحسن المرتبطة بحزب الله». ورأى برّاك أنّ الخطوة تمثّل «مكسباً للبنانيّين وللجهود الدوليّة الرامية إلى استعادة الثقة بقطاعهم المصرفي»، مشدّداً على ضرورة استكمالها بإصلاحات إضافيّة لضمان الاستقرار المالي ودعم مسيرة التعافي الاقتصادي في البلاد. يشار إلى أن قضية القرض الحسن كانت من ضمن البنود التي حملتها الموفدة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس كواحد من الشروط المفروضة على الدولة اللبنانية، وقد أعاد برّاك المطالبة به. Read more